سورة يس - تفسير تفسير ابن كثير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


{وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)}
يقول تعالى: ودلالة لهم أيضًا على قدرته تعالى: تسخيره البحر ليحمل السفن، فمن ذلك- بل أوله- سفينة نوح، عليه السلام، التي أنجاه الله تعالى فيها بمن معه من المؤمنين، الذين لم يبق على وجه الأرض من ذرية آدم غيرهم؛ ولهذا قال: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ} أي: آباءهم، {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} أي: في السفينة الموقرة المملوءة من الأمتعة والحيوانات، التي أمره الله أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين.
قال ابن عباس: المشحون: المُوقَر.
وكذا قال سعيد بن جبير، والشعبي، وقتادة، والضحاك والسدي.
وقال الضحاك، وقتادة، وابن زيد: وهي سفينة نوح، عليه السلام.
وقوله: {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ}: قال العَوْفي، عن ابن عباس: يعني بذلك: الإبل، فإنها سفن البر يحملون عليها ويركبونها.
وكذا قال عكرمة، ومجاهد، والحسن، وقتادة- في رواية- عبد الله بن شَداد، وغيرهم.
وقال السدي- في رواية-: هي الأنعام.
وقال ابن جرير: حدثنا الفضل بن الصباح، حدثنا محمد بن فضيل، عن عطاء، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال: تدرون ما {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ}؟ قلنا: لا. قال: هي السفن، جعلت من بعد سفينة نوح على مثلها.
وكذا قال غير واحد وأبو مالك، والضحاك، وقتادة، وأبو صالح، والسدي أيضًا: المراد بقوله: {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ}: أي السفن.
ويُقَوِّي هذا المذهب في المعنى قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: 11، 12].
وقوله: {وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ} يعني: الذين في السفن، {فَلا صَرِيخَ لَهُمْ} أي: فلا مغيث لهم مما هم فيه، {وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ} أي: مما أصابهم. {إِلا رَحْمَةً مِنَّا} وهذا استثناء منقطع، تقديره: ولكن برحمتنا نسيركم في البر والبحر، ونُسَلِّمكم إلى أجل مسمى؛ ولهذا قال: {وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} أي: إلى وقت معلوم عند الله.


{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47)}
يقول تعالى مخبرًا عن تمادي المشركين في غيهم وضلالهم، وعدم اكتراثهم بذنوبهم التي أسلفوها، وما هم يستقبلون بين أيديهم يوم القيامة: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ} قال مجاهد: من الذنوب.
وقال غيره بالعكس، {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أي: لعل الله باتقائكم ذلك يرحمكم ويؤمنكم من عذابه. وتقدير كلامه: أنهم لا يجيبون إلى ذلك ويعرضون عنه. واكتفى عن ذلك بقوله: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ} أي: على التوحيد وصدق الرسل {إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} أي: لا يتأملونها ولا ينتفعون بها.
وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} أي: وإذا أمروا بالإنفاق مما رزقهم الله على الفقراء والمحاويج من المسلمين {قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا} أي: عن الذين آمنوا من الفقراء، أي: قالوا لمن أمرهم من المؤمنين بالإنفاق محاجين لهم فيما أمروهم به: {أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} أي: وهؤلاء الذين أمرتمونا بالإنفاق عليهم، لو شاء الله لأغناهم ولأطعمهم من رزقه، فنحن نوافق مشيئة الله فيهم، {إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي: في أمركم لنا بذلك.
قال ابن جرير: ويحتمل أن يكون من قول الله للكفار حين ناظروا المسلمين وردوا عليهم، فقال لهم: {إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}، وفي هذا نظر.


{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)}
يخبر تعالى عن استبعاد الكفرة لقيام الساعة في قولهم: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}؟ {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا} [الشورى: 18]، قال الله تعالى: {مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} أي: ما ينتظرون إلا صيحة واحدة، وهذه- والله أعلم- نفخة الفزع، ينفخ في الصور نفخة الفزع، والناس في أسواقهم ومعايشهم يختصمون ويتشاجرون على عادتهم، فبينما هم كذلك إذ أمر الله تعالى إسرافيل فنفخ في الصور نفخة يُطَوِّلُها ويَمُدُّها، فلا يبقى أحد على وجه الأرض إلا أصغى ليتًا، ورفع ليتًا- وهي صفحة العنق- يتسمع الصوت من قبل السماء. ثم يساق الموجودون من الناس إلى محشر القيامة بالنار، تحيط بهم من جوانبهم؛ ولهذا قال: {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} أي: على ما يملكونه، الأمر أهم من ذلك، {وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ}.
وقد وردت هاهنا آثار وأحاديث ذكرناها في موضع آخر ثم يكون بعد هذا نفخة الصعق، التي تموت بها الأحياء كلهم ما عدا الحي القيوم، ثم بعد ذلك نفخة البعث.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7